«مزرعة الحيوان»..سخرية لاذعة ضد سذاجة البشر

الشارقة: علاء الدين محمود

رواية «مزرعة الحيوان»، لجورج أورويل، والتي نشرت في بريطانيا 1945، تعد حدثاً سردياً غير عادي، فهي من أفضل وأمتع الروايات العالمية في صنف الديستوبيا، وقد وجدت إقبالاً منقطع النظير، فهي المسؤولة عن السمعة العالمية الكبيرة للكاتب أورويل والمكانة التي وصل إليها كمؤلف يعتبر من أفضل كتاب الرواية، حيث لقيت هذه التحفة السردية الثمينة الكثير من الثناء والتقريظ من قبل النقاد والمشتغلين في حقل الأدب، نسبة لكونها قد شكلت فتحاً كبيراً في مجال الإبداع الروائي.

صدرت الرواية في نسختها العربية عن دار «روايات» إحدى شركات مجموعة «كلمات»، في طبعتها الأولى عام 2019، ترجمة عبد الرازق بلهاشمي، وهي إحدى أفضل الطبعات العربية لهذه الأيقونة السردية التي اتبعت أسلوباً غير مألوف في طرائق السرد في ذلك الوقت، ومثلت منعطفاً جديداً في الرواية، وهو الأمر الذي فتح الطريق أمام أورويل لإصدار أعمال سردية أخرى على شاكلتها.

الرواية تحتشد بالحمولة السياسية والفكرية والرموز التي لا فكاك منها من أجل تمرير عوالم السرد الثقيلة، خاصةً أنّ الرقابة في ذلك الوقت كانت تستهدف الكتاب والمبدعين من قبل الأنظمة الشمولية، فالأزمنة التي تناولتها هذه الرواية تشمل صعود أعتى الديكتاتوريات في العالم، خاصةً الستالينية والنازية، حيث كانت شمس الأخيرة تغرب في وقت نشر الرواية، بينما كانت الأولى تصعد وتنتصر، وتلك المنتصرة هي التي يعنيها مؤلف الرواية ويتناولها في العمل بصورة أكبر، فهي بمنزلة إسقاط على الأحداث التي سبقت عهد ستالين وخلاله قبل الحرب الثانية، فقد كان أورويل اشتراكياً ديمقراطياً وعضواً في حزب العمال البريطاني لسنوات وناقداً لستالين ومتشككاً في سياساته، وقد وصف في رسالة إلى أحد أصدقائه بأنّ «مزرعة الحيوان» مناهضة لستالين»، لكن أورويل وظف اللحظة السياسية داخل العمل في خدمة السرد وجمالياته، واستطاع أن يعبر عن عوالمها الثقيلة من خلال الرمزية العالية وجماليات الوصف واللغة الباذخة.

  • قصة

الرواية هي عبارة عن سخرية لاذعة ومتهكمة وكوميديا قاتمة ضد الدوجمائية السياسية، والسلطة المطلقة القاهرة، وسذاجة البشر، الذين ينقادون إلى بعض القيادات والأحزاب والأفكار والأيديولوجيات التي تدعي حماية مصالحهم، بينما هي تقتل أرواحهم وتقتات من بؤسهم وشقائهم، إذ إنّ العمل يحكي قصة رمزية تجري في مزرعة للحيوانات، وتنفتح على حكاية جرت في روسيا أعقاب الثورة، تجري على لسان حيوانات في مزرعة، وكل حيوان يرمز لشخصية قيادية، فهناك الخنازير بقيادة نابليون وسنوبول والميجر القديم وسكويلر، وهناك أيضاً الحصان بوكسر ورفيقته كلوفر، والحمار العجوز بنيامين، والمهرة مولي، وهناك القطط والخرفان والجرذان، وبالإضافة إلى الحيوانات، هناك شخصيات بشرية تظهر في الرواية مثل: السيد جونز صاحب المزرعة، وفردريك وبلكنغتن، وويمر، وهي أيضاً ترمز لشخصيات سياسية تصدرت مشهد ذلك الوقت.

قررت الحيوانات في المزرعة، ذات يوم، بعد أن حركتها المثل العليا للخنزير العجوز ميجر أن تثور ضد سيدها، بأمل أن تعيش حياة مستقلة تسودها العدالة والتعاون والسلم بين الجميع، وعندما سقطت المزرعة في يد الحيوانات ساد الاحترام للوصايا السبع التي تبجل السلام، وتأكد التنوع القائم بينها، أمّا العدو فقد تم تحديده بوضوح، إنّه الإنسان، وقد أجمعت الحيوانات على ذلك. إلّا أنّ الثورة أفرغت تماماً من محتواها وأهدافها بعد أن استأثرت الخنازير بالسلطة، فاستعبدت باقي الحيوانات، واستغلت ذكاءها بهدف التحكم في مخاوفها، وقامت بتحريف الماضي لمصلحتها، وتم تشويه المثل العليا بسرعة فائقة، وتم إفساد المبادئ العامة، فظهر الدكتور نابليون، وأقام تقديساً لذاته فرضه على الجميع، ووضع الحيوانات الأخرى في حالة من الإذعان له، وأرهقهم في العمل القاسي.

  • تناقضات

الرواية تكشف التناقض الحاد بين الشعارات الثورية وممارسات الحكام بعد الثورة، على خلفية نقدها اللاذع للديكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين، ويكشف السرد كيف أنّ المفاهيم قد تبدلت وابتذلت، فحلت مكان الحرية والدعوة لها، فسادت أكبر ديكتاتورية عرفها ذلك الوقت، الأمر الذي خلق اضطراباً شديداً في الحياة السوفييتية، وفي المفاهيم التي اصطدمت بالواقع.

لا تعرض الرواية فساد الثورة على أيادي قادتها وحسب، بل هي تعرض كذلك كيف يدمر الانحراف واللامبالاة والجهل والطمع، وتبين فساد القيادات التي يحركها الطمع كنقيصة في الثورة «لا يعيب فعل الثورة ذاته»، وتبين كذلك كيف يمكن للجهل واللامبالاة بالمشكلات أن تؤدي إلى وقوع فظائع، لذلك اعتبرت الرواية مثالاً للأدب التحذيري على الحركات التي تنطلق من أهداف جميلة ونبيلة، إلّا أنّها تؤول إلى الفساد والقهر فتستخدم أساليب عنيفة من أجل الاحتفاظ بالسلطة في ذلك الوقت، والعمل يغوص عميقاً في كشف التناقضات بين المثل والواقع، بالتالي هو يتناول بصورة أكبر النفس البشرية نفسها وعدم استقامة البشر والمفارقة الكبيرة بين أقوالهم وأفعالهم في كثير من الأحيان.رواج

وجدت الرواية رواجاً كبيراً، وصُنفت ضمن أعظم الأعمال الأدبية في القرن ال 20 فتُرجمت لأكثر من 70 لغة، وتميزت بأسلوبها السردي البسيط والرشيق، وتكتسب الرواية أهميتها الراهنة من تنامي أعداد كبيرة من القراء لهذه الرواية ولمجمل أعمال جورج أورويل، الذي أصبح حاضراً بقوة اليوم، نظراً للاضطراب والاختلال السياسي الذي يشهده العالم الآن، خاصةً في المعسكر الرأسمالي نفسه الذي يقف وحيداً مسيطراً على العالم، وقد اختارت مجلة تايم الرواية كواحدة من أفضل مائة رواية بالإنجليزية «منذ 1923 حتى 2005»؛ وجاء ترتيبها 31 في قائمة أفضل روايات القرن ال 20 التي أعدتها دار المكتبة الحديثة في بريطانيا، كما فازت عام 1996 بجائزة هوجو بأثر رجعي، وضُمِّنت في مجموعة «ذخائر كتب العالم الغربي» التي تنشرها شركة الموسوعة البريطانية.

  • موقف أيديولوجي

وعلى الرغم من الأحاديث عن انطلاق أورويل من موقف أيديولوجي نقيض للفكر الاشتراكي؛ فإنّ الرجل استطاع أن يؤسس ضمن آخرين لاتجاهات جديدة مناقضة للشموليات، فالرواية تستند إلى قوة الرمز والإشارات، وهي هجائية شديدة اللهجة ضد الحكم الشمولي في الاتحاد السوفييتي السابق والعمل، برغم حمولته السياسية، يؤكّد على البراعة التقنية والفنية والأسلوبية لهذا الكاتب الكبير «1903-1950م»، الذي قدم صورة مفصلة واستباقية لشكل الأنظمة الشمولية قبل ظهورها بعقود عدة في روايته الأشهر 1984 فبرز صاحبها واحداً من أهم الكُتَّاب البريطانيين، خاصة وقد اهتم بالدفاع عن المظلومين والحق والديمقراطية ومحاربة الدكتاتورية والفقر والظلم

اقتباسات

  • كونهم حيوانات لا يعني أنّهم لا يدركون معنى الثورة.
  • إنّ الحياة هي الحياة بكل ما فيها من الشقاء.
  • الحيوانات أخذت تنقل نظرها من خنزير إلى إنسان ومن إنسان إلى خنزير، وبات من المستحيل التّمييز بين الاثنين.
  • إنّي أثق أنّ العدل قادمٌ لا محالة عاجلاً أو آجلاً.
  • أيّها الرّفاق، لا تسقطوا الهدف من أمام أعينكم طيلة ما بقي لكم من سنوات العمر.
  • أليس الأمر واضحاً صافياً أيّها الرّفاق؟ أليست كلّ متاعب حياتنا مصدرها الإنسان؟.
  • الحرب هي الحرب، ولن تجد في البشر إنساناً صالحاً إلّا الموتى منهم.
  • السعادة الحقيقية تكمن في العمل الجاد والتقشف في الحياة.
Provided by SyndiGate Media Inc. (Syndigate.info).

2024-04-21T20:39:45Z dg43tfdfdgfd